الصبي
لم أكن أستطع تحويل بصري عن الصبي الماشي أمامي ... أو بالأصح الذي كان يحاول المشي ، إذ كان يرفع عكازيته بصعوبة بالغة ويميل بجسمه ( الذي انشل قسمه السفلي ) ذات اليمين وذات الشمال ... كان عمره يتراوح بين 13- 14 عاماً... وكانت الجهود التي يبذلها للمشي قد جعلته جلداً على عظم .
كنت أتتبعه بنظري كشخص مسحور ، وفجأة رايته يسقط ، فقد تزحلقت إحدى عكازتيه من حافة الرصيف فسقط على الأرض .
أسرعت إلية لأعينه على النهوض ... كان يبكي بصمت ... ربت على كتفه وقلت له :
- لا تهتم يا بني ولا تحزن ... مثل هذه الأمور تحدث .
قال :
-انا لست حزيناً .. عادة لا احزن كثيراً ؛
مسحت دموعه بيدي قائلاً :
- ولكنك تبكي يا بني! ...
قال:
- لقد آلمتني ذراعي جداً ... لهذا أبكي .
حاولت تشمير قميصه على زراعه لأرى مبلغ إصابتها فصعقت ... أواه يا رب ! ... كانت ذراعه مقطوعة من الرسغ ، لذا كانت إحدى العكازتين مصنوعة بشكل خاص .
وعندما رأى أنني أبصرت ذراعه قال :
-ليس سقوطي هذا بشيء ... عندما سقطت في المرة الماضية بقيت ذراعي تحت السيارة .
للحظة لم أدر ماذا أقول له ... ثم قلت له مواسياً :
- لا تحزن يا بني! ... كان من الممكن أن تموت آنذاك .
ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يقول :
- انا لست حزيناً ... في العادة لا احزن كثيراً .
قلت :
- لقد سبق وان قلت الشيء نفسه ... لماذا تتحدث هكذا ؟
عندما وقف مستنداً إلى عكازتيه قال :
-ذلك لأنني أؤمن بالله ... ألا سيملك من يؤمن به جسماً أبديا في الدار الآخرة ؟ ... جسماً صحيحاً وذا عافية ؟
رباه ! ... ماذا كنت اسمع !!
كنت أشاهد لأول مرة مثل هذا الإيمان الكبير في مثل هذا القلب الصغير ... أحسست أن جسمي يرتجف أكثر من جسمه .
شكرني وابتعد ..
رمقته بنظري وهو يبتعد عني ... وتساءلت في نفسي دون وعي :
ترى من منا هو الأكثر سعادة ؟ هو أم أنا ؟